السبت، 16 فبراير 2013

خطاب النعي


 خطاب النعي

تولى عنه ,وعيناه تفيض من الدمع وخيبة الأمل ترافقه ,يجر رجليه بفتور , لم يصدق أن ابنه الشيخ محمد_ كما يسميه الآخرين_ قد رفض أن يعطيه مبلغ زهيد من المال كمصاريف سفر لإحدى المناطق القريبة التي قرر السفر إليها فهناك عمل ينتظره عند احد الأصدقاء , اصطدم فجأة بجسد احدهم اعتذر متمتماً عفواً.. عفواً لم انتبه سامحني لم أراك فقد سرحت قليلاً , نظر إليه الرجل مبتسماً وقال



ما الذي دهاك يا رجل , الم تعرفني يا حاج احمد



تمعن فيه الحاج احمد ,ثم صاح مش معقول صديقي العزيز قاسم



أين أنت ,من مدة لم اسمع عنك شئ



قاسم : كنت في سفر طويل خارج البلد , ورجعت من شهر جئت ابحث عنك ,ذهبت لورشتك ....وصمت قليلاً ونكس رأسه وتحدث بأسف سوف يعوضك الله يا صديقي أنت رجل متدين وعلى خلق كريم وهذا امتحان من الله , فلا تحزن



نظر إليه احمد والدموع تترقرق في عينية وغصة الألم تحرقه وانفجر باكياً



قاسم : هدئ من روعك يا صديقي,اذكر الله سيطمئن قلبك .



احمد: والنعم بالله ,أنا لم ابكي تدمراً من القدر وإنما ابكي من عقوق الأبناء



قاسم بتعجب عقوق الأبناء



هازاً رأسه من تقصد بهذا



احمد : تعلم جيداً يا قاسم منذ أن أتينا أنا وأنت إلى المدينة للعمل وكنت حينها في الثانية عشرة من عمري عملت بجد واجتهاد حتى أعيش بكرامة , وبدأت من الصفر فقد عملت صبياً في ورشة ورويداً رويداً بدأت أتعلم وافهم الصنعة جيداً حتى أصبحت معلماً , فكرت حينها أن افتح ورشة ونجحت بتوفيق من الله , بنيت لأولادي بيت كبير من عدة طوابق يحميهم من غدر الزمان , وزوجتهم جميعاً وأسكنتهم معي كل منهم في طابق مستقل .



قاسم : لقد كنت لهم نعم الأب



واصل حديثه قائلاً : إلا أن ابني محمد أو الشيخ محمد كما يدعوه الآخرين كان دائم التذمر منا والانصياع إلى زوجته التي لم تعجبها حياتنا , فقرر الخروج والاستقلال بحياته لم يعارضه احد , كان الجميع ينظر إلى محمد بتقدير فهو الشيخ الملتزم الحافظ لكتاب الله , فهذه قد غدت أم الشيخ وتلك أخته ,لقد حقق لهم ألمكانه الاجتماعية التي يحلمون ويتباهون بها أمام الناس .



في احد الليالي الكئيبة رن جرس الهاتف وجاء صوت احدهم صارخاً ,الحقوا الورشة تحترق نهضت مذعوراً ,ذهبت وأبنائي لإطفاء الحريق وانقاد ما يمكن أنقاده إلا أن كل شئ قد انتهى ,احترقت الآلات وأصبحت كومة من الحديد .



اجتمعت مع أبنائيي وطلبت منهم أن نعيد إقامة الورشة من ثاني وطلبت مساعدتهم , وافق الجميع إلا محمد فقد ابدأ اعتذاره وتعليله ما الداعي بأن تقيمها مجدداً , أنت أصبحت كبيراً وعليك أن ترتاح أجبته بأنني لا زلت قادراً على العمل وأنا لم اعتاد الجلوس دون عمل ويصعب عليا أن أعود مرة أخرى للعمل عند الغير,ولكنه أصر على موقفه, جاء رده هذا وكأنه سكين غرس في صدري , إلا أنني لم افقد الأمل فيه .



واصل حديثه بحزن , انتهت الورشة ولا زلت صامداً , سمعتي بالسوق جعلت الآخرين يثقون بي فقد كنت أقوم ببعض المقاولات التي تدر عليا بفائدة لا بأس بها أتعيش منها وأسرتي وأحيان كثيرة كنت افتقد الريال .



قاسم : وأولادك إلا يساعدوك مادياً



احمد : كما تعرف أن أولادي موظفون ومع هذا يعطوني مبلغ شهري بسيط , عدا محمد فقد كان يتحجج بأن راتبه لا يكفيه وعليه العديد من الصرفيات (إيجار البيت , مدارس الاولاد ....الخ)



ذهبت اليوم إلى ابني محمد وأنا كلي أمل بأن لا يرجعني خائباً , طلبت منه خمسة ألف ريال مصاريف سفر لأنني تحصلت على مقاولة عمل في احد المناطق القريبة ولكنه رفض .



قاسم : رفض !



احمد : اجل رفض , بعد أن استشار زوجته عاد بالرفض دون أن يبرر رفضه



, أحسست حينها بأني صاغراً هيناً مهان , حز في نفسي موقفه هذا وزاد من ألمي حتى أنني تبرأت منه , لا أود أن أراه أو اسمع عنه أي شئ , انه ليس ابني ...ليس ابني



قاسم : اعذره قد يكون ضيق اليد



احمد : لا فحالته المادية افضل كثيييير من اخوانه , ومع هذا لم يقصروا معي صحيح انهم يعطوني مبلغ بسيط شهرياً لكني اشعر وكأني ملكت الدنيا بهم .



ربت قاسم على كتف صديقه ليهون عليه



قرر بعدها أن يذهب إلى الشيخ محمد ويعاتبه , استقبله الشيخ محمد بترحاب واستمع إليه بسعة صدر ووعده خيراً .



لم يأسف الشيخ محمد من الحالة التي وصل إليها أبوه على العكس اخدته العزة بالإثم فذهب إلى أبيه وهو يستشيط غضباً ويصرخ متهماً أباه بأنه يريد الإساءة إليه وتشويه صورته أمام الآخرين ولم يكتفي بهذا بل وصفه بالعته والخرف وانه لا يعي ما يقول .



اشتدت صدمة الأب وكتم حزنه في جوفه دون أن يشتكي إلى احد



بعد شهرين شأت الأقدار أن يصاب الاب بحادث سيارة ,مات بعدها مباشرة



بعد أن وارى الأبناء جثة أبيهم الثرى , تقدم الشيخ محمد الجمع وأعلن للمعزيين أنهم سيستقبلون العزاء في احد الصالات الكبرى .



لبس الشيخ افخر ما لديه من الثياب وحضر إلى القاعة مبكراً ليتأكد بنفسه من الاعدادت جلس بعدها يراجع ورقة مكتوبة ,اجتمع المعزون في الصالة المحددة , بعد أن امتلأت القاعة بالمعزين قام الشيخ محمد بإلقاء خطاب النعي وقد بدأ عليه الحزن الشديد قائلاً:

كان أبي رجلاً صالحاً , لم يترك لنا مال وإنما ثروة لا تقاس بثمن إنها الأخلاق الحميدة التي تحلينا بها فقد كنا له أبناء بارين , نظر إليه صديق والده ورمقه بنظرة لوم , التفت إليه دون اكتراث مواصلاً خطاب النعي






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق