الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

لا تنطبق عليك الشروط

لا تنطبق عليك الشروط

على حين غرة أسرعت إلى درج المكتب للبحث عن رقمه فتشت في كل الأدراج , وأخيراً وجدته خمسة عشر عاماً مرت منذ أن حفظت رقمه في هذا الدرج , كانت حينها في العشرين تعمل سكرتيرة لدية وكان هو في الثلاثين , فهد شاب وسيم ترتسم فيه ملامح الرجولة , حاول التقرب إليها ولمست في كلامه بأنه معجب بها , صارحها ذات مرة برغبته في الزواج بها , ولكنها أغلقت هذا الباب تماماً فقد كانت تعيش قصة حب رائعة وستتزوج قريباً .
فاجأته في احد الأيام بأن عليه أن يبحث عن سكرتيرة أخرى لأنها سوف تتزوج بعد شهر وتترك العمل .
استغرب وسألها حينها لماذا تتركين العمل ؟؟؟
أجابت : بأن هذه رغبة زوجها , وهي كذلك لا تمانع للتفرغ كلية لزوجها وبيتها .
رد هل أنتِ ضامنة كل الظروف ؟ حتى تضحين بعملك
أنتِ أمامك فرصة كبيرة لإثبات ذاتك والترقية في عملك
أجابت بثقة واجبي تجاه بيتي هو الأهم .
وفي آخر يوم لها وبينما هي تودعه , أعطاها كرت به جميع أرقامه قائلاً
لا تترددي في الاتصال بي , إذا احتجتي لأي شئ .
أخذته دون اكتراث , ووضعته في درج المكتب ولم تلتقطه إلا هذا اليوم .
عاشت حياة زوجية لا بأس , فقد وهبت نفسها لأجل بيتها لا غير , كان كل همها إسعاد زوجها وأولادها فقد كان ثمرة هذا الزواج ولدان وبنتان , طيلة فترة زواجها الخمسة عشر عاماً كانت مثال للام الحنونة و المسؤلة والقلقة دوماً على أسرتها فقد انعزلت عن العالم الخارجي ولم تلتهي كبقة النساء في الزيارات والخروج للأسواق وغيرها فقد اقتصر خروجها للضرورة .
مرت الأعوام هادئة لا شئ يعكر صفو حياتها , إلا أنها لاحظت في الأعوام الأخيرة فتوراً في علاقتها بزوجها , و تغيراً واضحاً في معاملة زوجها لها حيث أصبح لا يطيق كلامها , ويتعامل بحده معها ومع الأولاد ويختلق المشاكل , وهي تهون الأمر على نفسها وتختلق له الأعذار, إلى أن فاجأها ذات يوم برغبته في الزواج من أخرى , كان وقع كلامه قاسياً عليها , ظلت مصدومة لفترة لم تصدق ما يقول , وبعدها تمالكت نفسها وسألته لماذا أخرى ؟ هل أنا مقصرة معك , أجاب لا ولكن علاقتنا أصبح يكتنفها الفتور , أنا لا أنكر بأنك أم رائعة , ولكن لم تعودي تجذبيني كزوجة وامرأة , كل وقتك منصب في البت والأولاد انظري إلى نفسك في المرآة متى تزينتي آخر مرة ؟ متى اشتريتي فستان جديد ؟ أسئلة يصعب عليك الإجابة عليها أجابت: ولكني مقدرة وضعك المادي لذا أنا لا أغالي في صرفياتي للزينة وغيرها
ثم لماذا لم تحدثني بهذا قبلاً , أليس من واجبك أن تنبهني
أجاب : لقد وقع الفأس بالرأس , وليس هناك مجال أن أتراجع
فقد أحببت الأخرى ولا أستطيع العيش بدونها
همت بأن تسأله هل يعني هذا انك لم تعد تحبني , ولكن غصت المرارة وأنفتها منعتها في طرح هذا السؤال ,أحببت أخرى رددت هذه العبارة وصاحبتها ضحكة قهر قائلة
إذاً فلتذهب إلى الجحيم أنت وهي
واصل الزوج حديثه قائلاً : لن استطيع فتح بيتين , كما تعلمين مرتبي لن يفي بهذا , لذا سوف أطلقك وأعطيك حقوقك كاملة أنتِ والأولاد , ما تقرره المحكمة من نفقة لا مانع لدي .
حاولت أن تثنيه عن قراره هذا دون فائدة , بكت بمرارة ولكن لا حياة لمن تنادي لم يلقى كلامها أي أصداء لديه فقد كان كالمسحور أدار لها ظهره تاركاً لها البيت والأولاد ومصروف شهري بالكاد يكفيهم .
فجأة وجدت نفسها وحيدة مع أربعة أولاد , لم تدري ماذا تفعل , وبدأت الديون تتراكم عليها , وفي إحدى المرات بينما هي جالسة تفكر في وضعها اندرفت الدموع من عينيها انتبهت على يد ابنها الكبير يربت على كتفها ويواسيها, اخبرها بأن لا تحزن سوف يبحث عن عمل ليساعد في مصاريف البيت , ولكنها رفضت بشدة ولم تقبل أن يترك الدراسة , فاخبرها بأنه سوف يدرس ويعمل أيضاً و لم تقبل بهذا .
في إحدى المرات بينما كانت في زيارة لإحدى جاراتها , لاحظت الجارة الحزن الدفين في عينيها والهم الذي تحمله على عاتقها , سألتها فشكت لها عن الظروف التي تمر بها , قالت لها لما لا تبحثين عن عمل الم تكوني تعملي في السابق
أجابت : نعم , ولكن مضى على هذا خمسة عشر عاماً
الجارة : لما لا تحاولين العودة إلى عملك السابق , ألا تزال الشركة التي كنت تعملين بها مفتوحة؟
أجابت : نعم لا زالت مفتوحة
الجارة : جربي لن تخسري شيئاً
أجابت : لا ادري كان هذا قبل وقت طويل , فانا قد انقطعت عن الحياة العملية ,فهناك كثير من المتغيرات في التكنولوجيا ووسائل الاتصالات والكمبيوتر لم أواكبها .
الجارة : إذا ُقبلتي في العمل , سوف تتعلمينها .
حدثت نفسها لما لا تحاول , تذكرت رقم مديرها وبحثت عنه في درج المكتب اتصلت به وطلبت مقابلته .
قامت مسرعة في الصباح الباكر لتجهز أولادها للمدرسة , وتتهيأ لمقابلة مديرها السابق , نظرت إلى وجهها في المرآة وتأملته محدثته نفسها لازلت تحتفظين بجمالك , بالرغم من امتلائك الواضح , احتارت ماذا تلبس فهي لم تعد تواكب الموضى وبيوت الأزياء , وقع اختيارها على ثوب اسود لتبدوا اقل سمنه .
رسمت على وجهها بعض من المساحيق الخفيفة وسرحت شعرها .
عند وصولها إلى الشركة أخبرت السكرتيرة بأن لديها موعد مع المدير .
بقيت منتظرة لفترة , وبعدها أذن لها بالدخول
سلمت على المدير بيدين مرتعشتين , قابلها بكل بشاشة وترحاب .
أخبرته عن حاجتها للعمل , فأحالها لشئون الموظفين للقيام بالإجراءات اللازمة .
وبعد استكمال الإجراءات , عادت إليه ليخبرها بأن تبشر وان الجواب سيصلها خلال أسبوع.
عند العودة للمنزل مرت على احد محلات المجوهرات وباعت خاتم , لأجل شراء بعض الأطقم من الملابس التي ستحتاجها في وظيفتها الجديدة .
رجعت للبيت وكلها أمل , اجتمعت بأولادها لترتيب حياتهم الجديدة وطلبت من الجميع أن يتعاونوا فيما بينهم , فالوضع ألان قد تغير عن ذي قبل , عملت جدول للأعمال داخل المنزل وخارجه, اتفق عليه الجميع , تفهم الأولاد وأبدوا استعدادهم للمحافظة على بقاء البيت ومتابعة دروسهم مثل الأول وأحسن .
بعد خمسة أيام استلمت خطاب من الشركة , فرحت بشدة ورقصت على قدميها وهي تفتحه وتغني وأولادها حولها فرحين , تسمرت عيناها وهي تقرأ وتتمتم ( نأسف لعدم تلبية طلبك , لا تنطبق عليك الشروط ) .

هناك تعليقان (2):

  1. قصة جميلة جدا ومؤثرة لكن لكل منا قدره والصبر شيء جميل

    ردحذف
  2. يسعدني مرورك , الصبر جميل والتضحية كذلك فهذه المرأة ضحت لاجل اسرتها لتكافئ في نهاية المطاف بنكران الزوج قصة تحدث كثيراً في مجتمعنا الذي نعيشه , فهل نقف عن التضحية ام نضحي وفق حدود معينة .
    يسلموووا المرور

    ردحذف